فصل: أَمَّا الْأَوَّلُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: شَرَائِطُ الْخِيَارِ:

أَمَّا شَرَائِطُ الْخِيَارِ، فَمِنْهَا عَدَمُ الْوُصُولِ إلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَصْلًا وَرَأْسًا فِي هَذَا النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ وَصَلَ إلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا حَقُّهَا بِالْوَطْءِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْخِيَارُ لِتَفْوِيتِ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَإِنْ وَصَلَ إلَى غَيْرِ امْرَأَتِهِ الَّتِي أُجِّلَ لَهَا، وَكَانَ وَصَلَ إلَى غَيْرِهَا قَبْلَ أَنْ تُرَافِعَهُ، فَوُصُولُهُ إلَى غَيْرِهَا لَا يُبْطِلُ حَقَّهَا فِي التَّأْجِيلِ وَالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا حَقُّهَا، فَكَانَ لَهَا التَّأْجِيلُ، وَالْخِيَارُ وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ عَالِمَةً بِالْعَيْبِ وَقْتَ النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ، وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّهُ عِنِّينٌ، فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ عَالِمَةً بِالْعَيْبِ لَدَى التَّزْوِيجِ، فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْعَيْبِ كَالْمُشْتَرِي إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَالرِّضَا بِالْعَيْبِ يَمْنَعُ الرَّدَّ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ، وَهِيَ لَا تَعْلَمُ، فَوَصَلَ إلَيْهَا مَرَّةً، ثُمَّ عُنَّ، فَفَارَقَتْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا، فَلَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَتَحَقَّقْ، فَلَمْ تَكُنْ رَاضِيَةً بِالْعَيْبِ، وَالْوُصُولُ فِي أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ لَا يُبْطِلُ حَقَّهَا فِي الْعَقْدِ الثَّانِي، فَإِنْ أَجَّلَهُ الْقَاضِي، فَلَمْ يَصِلْ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ تَقَرَّرَ بِعَدَمِ الْوُصُولِ فِي الْمُدَّةِ، فَتَقَرَّرَ الْعَجْزُ، فَكَانَ التَّزَوُّجُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْعَيْبِ، وَالْعِلْمِ بِهِ دَلِيلَ الرِّضَا بِالْعَيْبِ.

.فَصْلٌ: حُكْمُ الْخِيَارِ:

وَأَمَّا حُكْمُ الْخِيَارِ، فَهُوَ تَخْيِيرُ الْمَرْأَةِ بَيْنَ الْفُرْقَةِ، وَبَيْنَ النِّكَاحِ، فَإِنْ شَاءَتْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ، وَإِنْ شَاءَتْ اخْتَارَتْ الزَّوْجَ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُقَام مَعَ الزَّوْجِ؛ بَطَلَ حَقُّهَا.
وَلَمْ يَكُنْ لَهَا خُصُومَةٌ فِي هَذَا النِّكَاحِ أَبَدًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْعَيْبِ، فَسَقَطَ خِيَارُهَا، وَإِنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ، فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ كَخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ، وَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ مَا لَمْ يَقُلْ الْقَاضِي: فَرَّقْتُ بَيْنَكُمَا، وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الْبُلُوغِ هَكَذَا ذَكَرَ، وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعَ أَنَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ عَنْهُ، وَمَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُمَا (وَجْهُ) رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ فُرْقَةُ بُطْلَانٍ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا الْمُخَالِفُ فِيهِ الشَّافِعِيُّ، فَإِنَّهَا فَسْخٌ عِنْدَهُ، وَالْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَأْتِي فِي مَوْضِعهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.
وَالْمَرْأَةُ لَا تَمْلِكُ الطَّلَاقَ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُومُ مَقَامَ الزَّوْجِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهَا الْقَاضِي، وَهُوَ التَّأْجِيلُ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْقَاضِي، فَكَذَا الْفُرْقَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ كَفُرْقَةِ اللِّعَانِ.
(وَجْهُ) الْمَذْكُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ تَخْيِيرَ الْمَرْأَةِ مِنْ الْقَاضِي تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا، فَكَانَ اخْتِيَارُهَا الْفُرْقَةَ تَفْرِيقًا مِنْ الْقَاضِي مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا مِنْهَا، وَالْقَاضِي يَمْلِكُ ذَلِكَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الزَّوْجِ، وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذَا التَّفْرِيقِ تَخْلِيصُهَا مِنْ زَوْجٍ لَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ إيفَاءُ حَقِّهَا دَفْعًا لِلظُّلْمِ وَالضَّرَرِ عَنْهَا، وَذَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْبَائِنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا يُرَاجِعُهَا الزَّوْجُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا، فَيُحْتَاجُ إلَى التَّفْرِيقِ ثَانِيًا وَثَالِثًا، فَلَا يُفِيدُ التَّفْرِيقُ فَائِدَتَهُ، وَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالْإِجْمَاعِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ خَلَا بِهَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَخْلُ بِهَا، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ كَانَ مُسَمًّى، وَالْمُتْعَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى، وَإِذَا.
فَرَّقَ الْقَاضِي بِالْعُنَّةِ، وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ، فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ لَزِمَهُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إلَى سَنَتَيْنِ ثَبَتَ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ حُكْمٌ بِشُغْلِ الرَّحِمِ، وَشَغْلُ الرَّحِمِ يَمْتَدُّ إلَى سَنَتَيْنِ عِنْدَنَا، فَيَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: كُنْتُ قَدْ وَصَلْتُ إلَيْهَا، فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: يُبْطِلُ الْحَاكِمُ الْفُرْقَةَ، وَكَفَى بِالْوَلَدِ شَاهِدًا، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ، فَقَدْ ثَبَتَ الدُّخُولُ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ إبْطَالَ الْفُرْقَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالدُّخُولِ بَعْدَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي لَا يُبْطِلُ الْفُرْقَةَ.
وَكَذَا هَذَا وَكَذَا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ النَّسَبِ عَلَى الدُّخُولِ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْمَجْبُوبِ، فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ خَلْوَةَ الْمَجْبُوبِ تُوجِبُ الْعِدَّةَ، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الْمَجْبُوبِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ الْفُرْقَةُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَجْبُوبِ لَا يَدُلُّ عَلَى الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَقْذِفُ بِالْمَاءِ، فَكَانَ الْعُلُوقُ بِقَذْفِ الْمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الدُّخُولُ لَمْ تَثْبُتْ الْفُرْقَةُ، فَإِنْ فَرَّقَ بِالْعُنَّةِ، فَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْفُرْقَةِ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا أَبْطَلَ الْفُرْقَةَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِهَا بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهَا عِنْدَ الْقَاضِي.
وَلَوْ كَانَتْ أَقَرَّتْ قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْفُرْقَةِ.
وَكَذَا إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِأَنْ أَقَرَّتْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ أَنَّهُ كَانَ وَصَلَ إلَيْهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْفُرْقَةُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهَا تَضَمَّنَ إبْطَالَ قَضَاءِ الْقَاضِي، فَلَا تُصَدَّقُ عَلَى الْقَاضِي فِي إبْطَالِ قَضَائِهِ، فَلَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ زَوْجُ الْأَمَةِ عِنِّينًا، فَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْخِيَارُ إلَى الْأَمَةِ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِفَوَاتِ الْوَطْءِ، وَذَلِكَ حَقُّ الْأَمَةِ، فَكَانَ الْخِيَارُ إلَيْهَا كَالْحُرَّةِ، وَلَهَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَطْءِ هُوَ الْوَلَدُ، وَالْوَلَدُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَحْدَهُ؛ وَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْفُرْقَةِ أَوْ الْمُقَامِ مَعَ الزَّوْجِ تَصَرُّفٌ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَنَفْسُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا مِلْكُ الْمَوْلَى، فَكَانَ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ لَهُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ، فَمَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ نَوْعَانِ: نَصٌّ، وَدَلَالَةٌ، فَالنَّصُّ هُوَ التَّصْرِيحُ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ نَحْوَ أَنْ تَقُولَ أَسْقَطْتُ الْخِيَارَ أَوْ رَضِيتُ بِالنِّكَاحِ أَوْ اخْتَرْتُ الزَّوْجَ وَنَحْوَ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي أَوْ قَبْلَهُ، وَالدَّلَالَةُ هِيَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْمُقَامِ مَعَ الزَّوْجِ بِأَنْ خَيَّرَهَا الْقَاضِي.
فَأَقَامَتْ مَعَ الزَّوْجِ مُطَاوِعَةً لَهُ فِي الْمَضْجَعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ الرِّضَا بِالنِّكَاحِ، وَالْمُقَامِ مَعَ الزَّوْجِ، وَلَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رِضًا؛ لِأَنَّ إقَامَتَهَا مَعَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ قَدْ تَكُونُ لِاخْتِيَارِهِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلِاخْتِيَارِ بِحَالِهِ، فَلَا تَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا مَعَ الِاحْتِمَالِ.
وَهَلْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ؟ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ ابْنَ سِمَاعَةَ، وَبِشْرًا قَالَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا خَيَّرَهَا الْحَاكِمُ، فَأَقَامَتْ مَعَهُ أَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ أَوْ قَامَ الْحَاكِمُ أَوْ أَقَامَهَا عَنْ مَجْلِسِهَا بَعْضُ أَعْوَانِ الْقَاضِي، وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا، فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خِيَارَهَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَهُوَ مَجْلِسُ التَّخْيِيرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا قَالَا: يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ (وَجْهُ) مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ تَخْيِيرَ الْقَاضِي هاهنا قَائِمٌ مَقَامَ تَخْيِيرِ الزَّوْجِ، ثُمَّ خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ يَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ، فَكَذَا خِيَارُ هَذِهِ.
وَكَذَا إذَا قَامَ الْحَاكِمُ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ؛ لِأَنَّ مَجْلِسَ التَّخْيِيرِ قَدْ بَطَلَ بِقِيَامِ الْحَاكِمِ.
وَكَذَا إذَا أَقَامَهَا عَنْ مَجْلِسِهَا بَعْضُ أَعْوَانِ الْقَاضِي قَبْلَ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى الِاخْتِيَارِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ، فَدَلَّ امْتِنَاعُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرِّضَا بِالنِّكَاحِ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْخِيَارِ وَبَيْنَ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ أَنَّ خِيَارَ الْمُخَيَّرَةِ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ بِالتَّخْيِيرِ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ إذْ الْمَالِكُ لِلشَّيْءِ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَكَانَ التَّخْيِيرُ مِنْ الزَّوْجِ تَمْلِيكًا لِلطَّلَاقِ، وَجَوَابُ التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْمُمَلِّكَ يَطْلُبُ جَوَابَ التَّمْلِيكِ فِي الْمَجْلِسِ عَادَةً، وَلِهَذَا يَقْتَصِرُ الْقَبُولُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي الْبَيْعِ كَذَا هَاهُنَا، وَالتَّخْيِيرُ مِنْ الْقَاضِي تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَا مَلَّكَهُ الطَّلَاقَ، وَإِنَّمَا فَوَّضَ إلَيْهِ التَّطْلِيقَ، وَوَلَّاهُ ذَلِكَ، فَيَلِيَ التَّفْوِيضَ لَا التَّمْلِيكَ، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ بِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْيِيرَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْمُؤَخَّذُ وَالْخَصِيُّ فِي جَمِيعِ مَا، وَصَفْنَا مِثْلُ الْعِنِّينِ لِوُجُودِ الْآلَةِ فِي حَقِّهِمَا، فَكَانَا كَالْعِنِّينِ، وَكَذَلِكَ الْخُنْثَى.
وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ، فَإِنَّهُ إذَا عُرِفَ أَنَّهُ مَجْبُوبٌ إمَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْمَسِّ، فَوْقَ الْإِزَارِ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَالِمَةً بِذَلِكَ وَقْتَ النِّكَاحِ، فَلَا خِيَارَ لَهَا لِرِضَاهَا بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِهِ؛ فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ لِلْحَالِ، وَلَا يُؤَجَّلُ حَوْلًا؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِرَجَاءِ الْوُصُولِ، وَلَا يُرْجَى مِنْهُ الْوُصُولُ، فَلَمْ يَكُنْ التَّأْجِيلُ مُفِيدًا، فَلَا يُؤَجَّلُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يُفَرِّقْ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا، فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ، وَعَلَيْهَا كَمَالُ الْعِدَّةِ إنْ كَانَ قَدْ خَلَا بِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَعَلَيْهَا كَمَالُ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَخْلُ بِهَا، فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ.

.فَصْلٌ: خُلُوُّ الزَّوْجِ عن الْعُيُوبِ:

وَأَمَّا خُلُوُّ الزَّوْجِ عَمَّا سِوَى هَذِهِ الْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ مِنْ الْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ وَالتَّأَخُّذِ وَالْخِصَاءِ وَالْخُنُوثَةِ، فَهَلْ هُوَ شَرْطُ لُزُومِ النِّكَاحِ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: خُلُوُّهُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَا يُمْكِنُهَا الْمُقَامَ مَعَهُ إلَّا بِضَرَرٍ كَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ، شَرْطُ لُزُومِ النِّكَاحِ حَتَّى يُفْسَخَ بِهِ النِّكَاحُ، وَخُلُوُّهُ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْخِيَارَ فِي الْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ إنَّمَا ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَرْأَةِ وَهَذِهِ الْعُيُوبُ فِي إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهَا فَوْقَ تِلْكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَدْوَاءِ الْمُتَعَدِّيَةِ عَادَةً، فَلَمَّا ثَبَتَ الْخِيَارُ بِتِلْكَ، فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِهَذِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْعُيُوبُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ، وَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهَا لَكِنْ يُمْكِنُهُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِالطَّلَاقِ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ، وَالْمَرْأَةُ لَا يُمْكِنُهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الطَّلَاقَ، فَتَعَيَّنَ الْفَسْخُ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْخِيَارَ فِي تِلْكَ الْعُيُوبِ ثَبَتَ لَدَفْعِ ضَرَرِ فَوَاتِ حَقِّهَا الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ الْوَطْءُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهَذَا الْحَقُّ لَمْ يَفُتْ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يَتَحَقَّقُ مِنْ الزَّوْجِ مَعَ هَذِهِ الْعُيُوبِ، فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ هَذَا فِي جَانِبِ الزَّوْجِ.
(وَأَمَّا) فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ، فَخُلُوُّهَا عَنْ الْعَيْبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلُزُومِ النِّكَاحِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا حَتَّى لَا يُفْسَخَ النِّكَاحُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْمَوْجُودَةِ فِيهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: خُلُوُّ الْمَرْأَةِ عَنْ خَمْسَةِ عُيُوبٍ بِهَا شَرْطُ اللُّزُومِ، وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ بِهَا، وَهِيَ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالرَّتَقُ وَالْقَرَنُ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ»، وَالْفَسْخُ طَرِيقُ الْفِرَارِ.
وَلَوْ لَزِمَ النِّكَاحُ لَمَا أَمَرَ بِالْفِرَارِ، وَرُوِيَ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَوَجَدَ بَيَاضًا فِي كَشْحِهَا فَرَدَّهَا وَقَالَ: لَهَا الْحَقِي بِأَهْلِكِ»،.
وَلَوْ وَقَعَ النِّكَاحُ لَازِمًا لَمَا رَدَّ؛ وَلِأَنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ لَا تَقُومُ مَعَ هَذِهِ الْعُيُوبِ أَوْ تَخْتَلُّ بِهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا مِمَّا يَنْفِرُ عَنْهَا الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ وَهُوَ الْجُذَامُ وَالْجُنُونُ وَالْبَرَصُ فَلَا تَحْصُلُ الْمُوَافَقَةُ فَلَا تَقُومُ الْمَصَالِحُ أَوْ تَخْتَلُّ وَبَعْضُهَا مِمَّا يَمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ وَهُوَ الرَّتَقُ وَالْقَرَنُ، وَعَامَّةُ مَصَالِحِ النِّكَاحِ يَقِفُ حُصُولُهَا عَلَى الْوَطْءِ، فَإِنَّ الْعِفَّةَ عَنْ الزِّنَا وَالسَّكَنِ وَالْوَلَدِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوَطْءِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ كَذَا هَاهُنَا.
(وَلَنَا) أَنَّ النِّكَاحَ لَا يُفْسَخُ بِسَائِرِ الْعُيُوبِ، فَلَا يُفْسَخُ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَجْمَعُهَا، وَهُوَ أَنَّ الْعَيْبَ لَا يَفُوتُ مَا هُوَ حُكْمُ هَذَا الْعَقْدِ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ الِازْدِوَاجُ الْحُكْمِيُّ، وَمِلْكُ الِاسْتِمْتَاعِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلُّ، وَيَفُوتُ بِهِ بَعْضُ ثَمَرَاتِ الْعَقْدِ، وَفَوَاتُ جَمِيعِ ثَمَرَاتِ هَذَا الْعَقْدِ لَا يُوجِبُ حَقَّ الْفَسْخِ بِأَنْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَقِيبَ الْعَقْدِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ كَمَالُ الْمَهْرِ، فَفَوَاتُ بَعْضِهَا أَوْلَى وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ لِلنِّكَاحِ هُوَ الِازْدِوَاجُ الْحُكْمِيُّ، وَمِلْكُ الِاسْتِمْتَاعِ شُرِعَ مُؤَكِّدًا لَهُ، وَالْمَهْرُ يُقَابِلُ إحْدَاثَ هَذَا الْمِلْكِ، وَبِالْفَسْخِ لَا يَظْهَرُ أَنَّ إحْدَاثَ الْمِلْكِ لَمْ يَكُنْ، فَلَا يَرْتَفِعُ مَا يُقَابَلُ، وَهُوَ الْمَهْرُ، فَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ أَمَّا الْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، فَلَا يُشْكِلُ، وَكَذَلِكَ الرَّتَقُ وَالْقَرَنُ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ يُقْطَعُ وَالْقَرَنُ يُكْسَرُ، فَيُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِوَاسِطَةٍ لِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُفْسَخْ بِسَائِرِ الْعُيُوبِ كَذَا هَذَا.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ، فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ أَنَّهُ يَجِبُ الِاجْتِنَابُ عَنْهُ، وَالْفِرَارُ يُمْكِنُ بِالطَّلَاقِ لَا بِالْفَسْخِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعْيِينُ طَرِيقِ الِاجْتِنَابِ وَالْفِرَارِ، وَأَمَّا الثَّانِي، فَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ قَالَ: لَهَا الْحَقِي بِأَهْلِك، وَهَذَا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ عِنْدَنَا، وَالْكَلَامُ فِي الْفَسْخِ وَالرَّدِّ الْمَذْكُورُ فِيهِ قَوْلُ الرَّاوِي، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً أَوْ تَحْمِلُهُ عَلَى الرَّدِّ بِالطَّلَاقِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
وَخُلُوُّ النِّكَاحِ مِنْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلُزُومِ النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَمْ يَرَهَا لَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَآهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
وَكَذَا خُلُوُّهُ عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ سَوَاءٌ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلزَّوْجِ أَوْ لِلْمَرْأَةِ أَوْ لَهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ بَطَلَ الشَّرْطُ، وَجَازَ النِّكَاحُ.

.فَصْلٌ: شَرْطُ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَازِمًا:

وَأَمَّا الثَّانِي، فَشَرْطُ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَازِمًا نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِالزَّوْجِ فِي نِكَاحِ زَوْجَتِهِ، وَنَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْلَى فِي نِكَاحِ أَمَتِهِ.

.أَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالزَّوْجِ فِي نِكَاحِ زَوْجَتِهِ:

فَعَدَمُ تَمْلِيكِهِ الطَّلَاقَ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا بِأَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِكِ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ طَلِّقِي نَفْسَكِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ أَوْ يَقُولَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شِئْتَ كَذَا عَدَمُ التَّطْلِيقِ بِشَرْطٍ، وَالْإِضَافَةُ إلَى وَقْتٍ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّمْلِيكِ جَعَلَ النِّكَاحَ بِحَالٍ لَا يَتَوَقَّفُ زَوَالُهُ عَلَى اخْتِيَارِهِ بَعْدَ الْجَعْلِ.
وَكَذَا بِالتَّعْلِيقِ، وَالْإِضَافَةِ، وَهَذَا مَعْنَى عَدَمُ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَازِمًا.

.خِيَارُ الْعَتَاقَةِ:

(وَأَمَّا) الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْلَى فِي نِكَاحِ أَمَتِهِ: فَهُوَ أَنْ لَا يَعْتِقَ أَمَتَهُ الْمَنْكُوحَةَ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهَا لَا يَبْقَى الْعَقْدُ لَازِمًا، وَكَانَ لَهَا الْخِيَارُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِخِيَارِ الْعَتَاقَةِ.
وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ شَرْطِ ثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ، وَفِي بَيَانِ وَقْتِ ثُبُوتِهِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَبْطُلُ بِهِ.

.أَمَّا الْأَوَّلُ:

فَلِثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ شَرَائِطُ مِنْهَا: وُجُودُ النِّكَاحِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهَا، ثُمَّ زَوَّجَهَا مِنْ إنْسَانٍ، فَلَا خِيَارَ لَهَا لِانْعِدَامِ النِّكَاحِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ.
وَلَوْ أَعْتَقَهَا، ثُمَّ زَوَّجَهَا، وَهِيَ صَغِيرَةٌ، فَلَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ لَا خِيَارُ الْعِتْقِ لِمَا قُلْنَا، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ التَّزْوِيجُ نَافِذًا حَتَّى لَوْ زَوَّجَتْ الْأَمَةُ نَفْسَهَا مِنْ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى، فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَأَمَّا كَوْنُ الزَّوْجِ رَقِيقًا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ، فَهَلْ هُوَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا؟ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهَا سَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: شَرْطٌ، وَلَا خِيَارَ لَهَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «زَوْجُ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ حُرًّا مَا خَيَّرَهَا»، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ سَمَاعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ فِي الْعَبْدِ إنَّمَا ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَهُوَ ضَرَرُ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَضَرَرُ لُزُومِ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ وَضَرَرُ نُقْصَانِ الْمُعَاشَرَةِ لِكَوْنِ الْعَبْدِ مَشْغُولًا بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ فِي الْحُرِّ، فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «قَالَ لِبَرِيرَةَ حِينَ أُعْتِقَتْ مَلَكْتِ بُضْعَكِ، فَاخْتَارِي».
وَرُوِيَ مَلَكْتِ أَمْرَكِ، وَرُوِيَ مَلَكْتِ نَفْسَكِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا بِنَصِّهِ، وَالْآخَرِ بِعِلَّةِ النَّصِّ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ أَنَّهُ خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُعْتِقَتْ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ حُرًّا، فَإِنْ قِيلَ رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا، فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ، فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِمَا، فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا رَوَيْنَا مُثْبِتٌ لِلْحُرِّيَّةِ، وَمَا رَوَيْتُمْ مُبْقٍ لِلرِّقِّ، وَالْمُثْبِتُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ قَدْ يَكُونُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَالثُّبُوتُ يَكُونُ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ لَا مَحَالَةَ، فَمَنْ قَالَ: كَانَ عَبْدًا اُحْتُمِلَ أَنَّهُ اعْتَمَدَ اسْتِصْحَابَ الْحَالِ.
وَمَنْ قَالَ: كَانَ حُرًّا بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الدَّلِيلِ لَا مَحَالَةَ، فَصَارَ كَالْمُزَكِّيَيْنِ جَرَّحَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا، وَالْآخَرُ زَكَّاهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْجَارِحِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَيْنَا مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ، وَمَا رَوَيْتُمْ مُخَالِفٌ لَهُ لِمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَالْمُوَافِقُ لِلْقِيَاسِ أَوْلَى.
(وَأَمَّا) الثَّانِي، فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ مِلْكَهَا بُضْعَهَا أَوْ أَمْرَهَا أَوْ نَفْسَهَا عِلَّةً لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهَا مَلَكَتْ بُضْعَهَا، ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا بِحَرْفِ التَّعْقِيبِ، وَمِلْكُهَا نَفْسَهَا مُؤَثِّرٌ فِي رَفْعِ الْوِلَايَةِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ اخْتِصَاصٌ، وَلَا اخْتِصَاصَ مَعَ وِلَايَةِ الْغَيْرِ، وَالْحُكْمُ إذَا ذُكِرَ عَقِيبَ وَصْفٍ لَهُ أَثَّرَ فِي الْجُمْلَةِ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الشَّرْعِ كَانَ ذَلِكَ تَعْلِيقًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}، وَكَمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهَا، فَسَجَدَ».
وَرُوِيَ أَنَّ مَاعِزًا زَنَى، فَرُجِمَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ يَتَعَمَّمُ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ، وَلَا يَتَخَصَّصُ بِخُصُوصِ الْمَحَلِّ كَمَا فِي سَائِرِ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْعَقْلِيَّةِ، وَزَوْجُ بَرِيرَةَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا؛ لَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَنَى الْخِيَارَ فِيهِ عَلَى مَعْنًى عَامٍّ وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعِ يُعْتَبَرُ عُمُومُ الْمَعْنَى لَا خُصُوصُ الْمَحَلِّ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ؛ وَلِأَنَّ بِالْإِعْتَاقِ يَزْدَادُ مِلْكُ النِّكَاحِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَلَيْهَا عُقْدَةً زَائِدَةً لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُهَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ بِالْبِنَاءِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا، وَالْمَسْأَلَةُ، فَرِيعَةُ ذَلِكَ الْأَصْلِ، وَلَهَا أَنْ لَا تَرْضَى بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهَا، وَلَهَا وِلَايَةُ رَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهَا، وَلَا يُمْكِنُهَا رَفْعُ الزِّيَادَةِ إلَّا بِرَفْعِ أَصْلِ النِّكَاحِ، فَبَقِيَتْ لَهَا وِلَايَةُ رَفْعِ النِّكَاحِ، وَفَسْخِهِ ضَرُورَةَ رَفْعِ الزِّيَادَةِ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ وَجْهِ الضَّرَرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ، وَبَقِيَ النِّكَاحُ لَازِمًا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الزَّوْجُ مَنَافِعَ بُضْعِ حُرَّةٍ جَبْرًا بِبَدَلٍ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهَا بِالْعَقْدِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا؛ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِبَقَاءِ هَذَا النِّكَاحِ لَازِمًا يُؤَدِّي إلَى اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ بُضْعِ الْحُرَّةِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ تَسْتَحِقُّهُ الْحُرَّةُ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَرْضَى بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ بُضْعِهَا إلَّا بِبَدَلٍ تَسْتَحِقُّهُ هِيَ، فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ لَهَا لَصَارَ الزَّوْجُ مُسْتَوْفِيًا مَنَافِعَ بُضْعِهَا، وَهِيَ حُرَّةٌ جَبْرًا عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا بِبَدَلٍ اسْتَحَقَّهُ مَوْلَاهَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا كَذَا إذَا كَانَ حُرًّا.
وَكَذَا اُخْتُلِفَ فِي أَنَّ كَوْنَهَا رَقِيقَةً وَقْتَ النِّكَاحِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ سَوَاءٌ كَانَتْ رَقِيقَةً وَقْتَ النِّكَاحِ، فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى أَوْ كَانَتْ حُرَّةً وَقْتَ النِّكَاحِ، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا الرِّقُّ، فَأَعْتَقَهَا حَتَّى أَنَّ الْحَرْبِيَّةَ إذَا تَزَوَّجَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ سُبِيَا مَعًا، ثُمَّ أُعْتِقَتْ، فَلَهَا الْخِيَارُ عِنْدَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ شَرْطٌ، وَلَا خِيَارَ لَهَا.
وَكَذَا الْمُسْلِمَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ مُسْلِمًا، ثُمَّ ارْتَدَّا، وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ سُبِيَتْ، وَزَوْجُهَا مَعَهَا فَأَسْلَمَا، ثُمَّ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ، فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، فَمُحَمَّدٌ، فَرَّقَ بَيْنَ الرِّقِّ الطَّارِئِ عَلَى النِّكَاحِ، وَبَيْنَ الْمُقَارِنِ إيَّاهُ، وَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَجْهُ الْفَرْقِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ رَقِيقَةً وَقْتَ النِّكَاحِ، فَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلْخِيَارِ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ حُرَّةً؛ فَنِكَاحُ الْحُرَّةِ لَا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلْخِيَارِ، فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِطَرَيَانِ الرِّقِّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الرِّضَا، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ بِالْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمِلْكِ تَثْبُتُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْعِتْقَ، وَالْعِتْقُ مُوجِبُ الْإِعْتَاقِ، وَلَا يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ السَّابِقَ مَا انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ الْأَمَةَ، وَنِكَاحُ الْأَمَةِ لَا يُوجِبُ زِيَادَةَ الْمِلْكِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَجْعَلُ زِيَادَةَ الْمِلْكِ حُكْمَ الْإِعْتَاقِ، وَمُحَمَّدٌ يَجْعَلُهَا حُكْمَ الْعَقْدِ السَّابِقِ عِنْدَ وُجُودِ الْإِعْتَاقِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَخْرُجُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يَثْبُتُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ، فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا، ثُمَّ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ مَعًا، ثُمَّ سُبِيَتْ، وَزَوْجُهَا مَعَهَا، فَأُعْتِقَتْ، فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْخِيَارَ ثَبَتَ بِالْإِعْتَاقِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ الْإِعْتَاقُ، فَيَتَكَرَّرُ الْخِيَارُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا خِيَارٌ وَاحِدٌ.